| مسـافر بـلا حقـائب | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:09 am | |
|
مسـافر بـلا حقـائب
القـسم الأول الفصل الأول
(ص9-16)
{البحرالأبيض المتوسط، 1950
وداعاً.. حبيبتي !
وداعاً !! وداع، فاض به صدري، أرمي عالمك به، كمن يرميه بلعنة!
أتعجبين؟! أتعجبين هدباء، من هذه الكلمات، أصدّر بها أولى رسائلي إليك؟! ألوف مثلها تتسابق إلى شفتي، تتناطح، كل كلمة تود لو تكون الأولى، تصفّق لهذا الوداع، تفسره، تدعمه، تود لو تستنطق من حروفه ألوف المعاني والصور!
لا.. ليس هذا وداع آسفٍ على ما ترك!
أرى الدموع تتجمع بين جفنيك! لا تجزعي! فلكم أحببت عينيك، لكم أحبهما! ويفطر قلبي ما يشهق به الآن صدرك من أسى! ورغم ذلك.. أنظر إلى عينيك الواجفتين، فأتشفّى.. وتهدأ نقمتي، في قرارتي، إذ أعلم أني أبكيهما! وأن في استطاعتي-أنا البعيد- أن أخفف من غلواء ثقتهما العمياء، المقيتة!
آه حبي.. ليت في وسع الدموع أن تغسل بعض ما اتسخ!
أكنت أعلم، وأنا أجتاز ذلك الشارع الضيق، الطويل، الذي يفصل بين دارينا، أني سأسخط يوماً عليك، كما أفعل الآن؟.. أو أن وداعي، هذا، سيتلو وداعنا، ذلك الطويل، الوديع، على الهاتف؟!
هذا ما كان بالأمس.. أكنت سعيداً لنبرات الحزن في صوتي؟.. أستبق، وأنا ممزق حزين، ما أشعر به من نشوة، الآن؟..
هل كنت أودّع فيك طفولتي؟ لماذا ألصقت شفاهي بالسماعة التي في يدي؟ هل كنت في تلك اللحظة، أودع فيك أمي، ووطني، أودّع حباً عقيماً، لم يجتز يوماً مرحلة القبلات على الهاتف؟!
لكم أكره القدر الذي وضعك في طريقي! أكره أنني أحبك!!
أهو حبك الذي أقتلعه من نفسي الآن؟.. ما لي أنتشي وأنا أرى الدم يقطر من يدي؟!!
وما ذنبك هدباء.. ما ذنبي أنا؟.. ما ذنبنا، سوى أن ما يفصل بين دارينا، دقائق، كنت أسبق الريح، مرات كل يوم، لأجلس، وأخيك، في حديقة داركما الدمشقية القديمة.. نتنقّل بين الليوان، والقاعة، والمربع.. نستعرض ما قرأناه عن الحب، والفلسفة، فتظهرين، بخصلات شعرك السود، المتهدلة.. تتركين القهوة، على حافة البحرة، بدلال.. تودين مشاركتنا المطالعة، ثم تغيبين.. وتعودين، لتطلّي من شرف غرفة النوم العليا.. عيناك النجلاوان، في بريق.. وابتسامتك الحلوة المرة تداعب شفتيك، تجسّدين للحظات خاطفة، جميع ما يعتمل في نفسي من عطش، وموسيقى!!
وتسائلينني بدلال.. "أهكذا يسهل عليك السفر؟.. كيف تترك مدينتنا الحبيبة؟.. وعطر الياسمين؟!"..
كيف لا أحبك؟ كيف لا أحب أصداء نفسي، كانت ترجّعها إلى عيني صفحات وجهك الرائع المتعالي؟ كيف لا أعبد إباءك وأنفتك؟ ثم كيف لا أمقت حباً منعني عن فتاة سواك! وكبّل جسدي الفتيّ بقيود كبتك الجائرة، وبقيم مجتمعك الكاذبة؟!
ولن أسألك عما كنت تشعرين به نحوي.. أو عما اعتمل في نفسك يوم أتيت لزيارتي، لتوديعي، قبل سفري بأيام! لعلك حين أقدمت على تلك الزيارة، كنت ترين فيها "مثلاً" في تحدي القيود الاجتماعية! تحدٍّ، لم يسبقك إليه أحد! "قدوة".. سيسجلها التاريخ لأمثالك من العفيفات! أو، من يدري.. لعلك كنت ترين فيها منّاً تكرمت به علي.. "هبة" يتوجّب علي أن أحتفظ بذكراها إلى الأبد!!
لا.. لا أود الخوض فيما يمكن لفتاة محافظة مثلك أن تشعر به من تناقضات وهي تجد نفسها وحيدة، للمرة الأولى، مع شاب تحب، في غرفة من داره خالية من الناس! حسبي ما مرّ بي! ويكفيني أن أذكر الذهول الذي اعتراني وأنا أراك ترتعدين من وطأة ما اعتمل بك من كبت!
هل كنت أنت هدباء التي أحببت، منذ أن تفتحت في نفسي العاطفة؟! بالله! ماذا أخافك مني، حتى بدوت على ما بدوت؟! ما الذي قلّص عضلات وجهك، وزمّ شفتيك؟ لمَ جفّ لعابك، حتى بح صوتك! وغاب لونك!
هل تدرين حبي، أنك أنسيتني في تلك اللحظة أنني حقاً "فراس"، ذاك الذي كنت تعرفين؟! أتذكرين كيف جلسنا، بعد برهة، ينظر كل منا إلى الآخر، في صمت ودهشة، وكأنه يراه للمرة الأولى!؟ لا أذكر الآن شيئاً مما كنت تقولين! وظني أنك أنت الأخرى، ما كنت آنذاك تدرين شيئاً عما دار في ذهنك! جل ما أذكره الآن، ولو أن في سرد ذلك جرحاً لكبريائك، هو أن ما أئرتِ بي من إحساس، كان أقرب لما يمكن لحيوان أن يشعر به، نحو حيوان آخر!
أشعرتني بدوافع جنسية، مشوبة بقشعريرة تماثل تلك التي يشعر بها الإنسان إذا ما واجه حيواناً كاسراً! لا أظن إلا أنني كنت قادراً في تلك اللحظة على تصرّف أخجل من تصوره الآن!
لقد زججت ما أعرف عن ذاتي في غربة كريهة إلى نفسي، فرحتُ أداعب قسوة، ما كنت أعرف أني قادر على الإحساس بها!
من الذي لا يعرف أن للنفس مجاهل تختبئ وراء ما دفعتني إلى اكتشافه عن نفسي من متاهات؟! لا بدّ أني بدوت أمامك في تلك الساعة عارياً من الحجب! ولاح لك ما كنت أحاول فرضه على نفسي من هدوء وتصرف متزن!
ألهذا زال اضطرابك؟! وإلا فما الذي أطربك فجأة من حيرتي، وأنزل الهدوء على نفسك، حتى استويتِ، وجمعت ساقيك ساقاً إلى ساق، وانتحيت جانباً، في جلسة أردتها تلقائية، وقوراً، ثم مددت ذراعك نحوي، تداعبين خصلة شعر انحدرت على جبيني الذي تفصّد عرقاً!
أي دور هادئ غريب انسقت في تمثيله؟! كنت، منذ لحظات، ترتعدين، وتتلوين، كالجسد المشنوق، بينما كنت أحاول، بما أمكنني من لطف، أن أتمدد إلى جانبك! أي جرم كنت قد حاولت ارتكابه، حتى انتابك ذلك المس؟! هل حاولَت يدي الوجلة أن تمتد إلى صدرك؟ أهذا هو الجرم؟ هل لمست شفتاي خدك، أو أذنك؟!
| |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:10 am | |
| نعم.. ولم أعد أدري كيف انقضت تلك الدقائق الطوال قبل أن أصاحبك إلى الباب!
غريب! غريب، كيف أطلتِ الوقوف على الباب، وأمعنت في الحديث الهادئ، وصدرك، طفل ضائع لم يعد يعرف غير صدري ملجأً ومقراً!
ولم يكتمل رفضي لك حتى تلاصقت شفاهنا، في تلك اللحظة، للمرة الأولى!
قلتِ- وأردتها نبرة ساذجة حيرى-..
- إن كان لا بد في هذا الوداع من قبلة.. فلا بأس.. إنما هي المرة الأولى التي أقبل فيها شفتي إنسان.. لا تلمني.. فأنا لا أجيد فن القبل..
وصدقتني القول! آه.. حبي.. كيف أفسّر أنك بدوت لي في تلك اللحظة كمن عرفت عشرات الرجال!!
أين السذاجة في قبلة أولى تناقش فن القبل؟!
أين البراءة، في جسد كان منذ لحظات يتشنج.. ويكاد يركل أول لقاء له مع جسد أحب؟ أهي العفة في نظرك؟ أهذا هو الطهر في ظنك؟! ويحك هدباء! تحت أي حمل ترزحين؟! ولست الملومة في ذلك! إنها مفاهيم قومك، يحملونها منذ أجيال، ويبرعون في إعادة غرسها فيك، وفي غيرك من "الطاهرات".. إلى الأبد!
الأخلاق، والتربية الحسنة، في عرفهم، هي في أن تصومي عن الجنس، حتى يكاد يجف جسدك من الجوع! تتمشين في الطرقات، لا تنظرين إلى شيء، ولا بأس في أن تتلفتي، كالملسوعة، إذا ما طالعتك رائحة الحياة! تخفين ما تحسين به من كبرياء كاذبة، وراء قناع بارد كالموت! حتى إذا صعدت سلم دارك، وعاد عبق ما تشتهين، يطالعك من وراء أبواب ونوافذ مفتوحة على غرف النوم، تعودين إلى التضوّر، تتصورين الرجال كشياطين، مرغوبة، جميلةّ، لكنك تكرهين شهوتك! فتلجئين إلى سريرك، يتلوى حرمانك في أحشائك، كأنه أفعى!
أين العجب في أن تضمر نفسك، بعد كل هذا؟ أين العجب في أن يصبح الإحساس الطبيعي وحشاً كاسراً، ترتعدين إذا ما لاح في أفق حياتك أنك ستجلسين إليه! وحين تتزوجين، إن تزوجت، فهل ستمحو بحبوحة سني الزواج الطوال ذكرى سياط العوز الذي عانيته في شبابك؟! وما الذي سيمحو الندوب التي ستخلفها تلك السياط على جسدك الفتيّ؟..
لماذا قدر لي أن أحب فتاة في مثل عفتك؟! وهل أنا المذنب؟ ألست ابن البيئة نفسها؟.. لا أقوى على حبِ إلا من كان في مثل عفتك؟ أتعجبين، بعد هذا، أن أقول "وداعاً" حزينة، متشفية؟!
أعجب من نفسي! أحبك هدباء، وليس في الكون ما يفعم نفسي أكثر من أنني في هذه اللحظة، أشق البحر في مركب يبعدني عنك وعن شبح هذا الموت الذي قسرني حبك على العيش في كنفه!
عدت لا أدري، أسعيت إلى باريس نزوعاً إليها، أم هرباً منك ومن بلدي!
ماذا أعرف عن باريس، سوى ما سمعته أو ما قرأته عنها في الكتب؟! ومع هذا، فلئن صح القول بأن لا لذة في حرية سوى بمقدار ما كان يعانيه الإنسان قبلها من أسر.. فإن جوعي لباريس كبير، كبير! وحريتي فيها ستكون أكبر مما بوسعي أن أصفه لك!
أرى ثغرك الحبيب يبتسم بمكر! وأسمعك تقولين: "ألست تناقض نفسك؟!"، "أراك واثقاً من أنك ستستسيغ الطعام، بعد جوع!".. "فلماذا تنكر عليّ الحرمان والكبت، إن كان لي في ذلك استساغة أكبر للجنس، فيما بعد؟!".. أسمعك تقولين.. "ما المانع من أسري الجنسي؟ إذا كان لي في ذلك تذوّقٌ أكبر لممارسته بحرية فيما بعد؟!"..*
لا، وألف لا!!
أنا أحارب أسري! وأنت.. إنك مطمئنة إليه! تنعمين به! أو أنك تنتظرين أن تُفكَّ عن معصميك الأغلال! أنا لم أنتظر أن يُفتح باب سجني، لأكتشف أن ساقيّ قد ضمرتا، حتى لم يعد باستطاعتهما المسير! لقد حطمت قفصي، قبل أن ينسى جناحاي كيف يصفقان، ويطيران! أما أنت، فلئن تململت، فلضيق سجنك، وحسب! لا لأنك في أسر!
* * *
هل أبدو كمن يجلجل نشيد نصر يود لو يطبق به الآفاق؟! لا بأس! ينتابني في هذه اللحظة ما لا أستطيع وصفه من تيه!
تركت أوراقي هذه برهة، ورحت أتجول! فيها على ظهر السفينة، متقدماً، حتى تجاوزت المرساة، ووقفت على السدة، لا يفصلني عما يضرب رأسها الحاد من موج، سوى حاجز قليل الارتفاع، أمسكت به، ألاقي الرذاذ والهواء العاتي في صدري.. حتى شعرت كأنني أنا الذي أحض هيكلها الكبير على المضيّ! كأني أنا الذي أرفعه بساعدي فوق لجج الأمواج! يشقها، ونمخر معاً غياهب الليل البهيم!!
* * *
ها أنا ذا أعود إليك، يطفح صدري بنصر عليك، لا أفهمه! أليس من الغريب ألا أود أن أشارك في هذا النصر أحداً سواك؟!
إنها الواحدة بعد منتصف الليل! أين أنت الآن حبي؟ وفي أي سبات هانئ تغطين؟
تكاد أصابعي لا تقوى على الإمساك بالقلم، لشدة بردها! ألهذا أذكر الدفء الذي ترفلين فيه في فراشك الآن؟ إخوتك.. أخواتك.. جميعهم حولك، يحيطون بك، في غرفهم المجاورة.. وينعمون بنوم هادئ، عميق..
عبق آخر السهرة ممزوج بدفء الموقد، ينساب طليقاً، في أروقة الدار، وبين غرفها، بعد أن ماتت النار.
سيرقد بلدك قريباً.. سينام جميع من فيه.. وستتصاعد أنفاس النيام، غمامة كسلى، شرقية، تغلف تلك الواحة الكبيرة، وتعود بأحلام من فيها إلى الوراء.. مئات السنين! سيبعث الزير في أحلام الشباب.. وعنتر.. وقيس.. وصلاح الدين! ستبرق السيوف، والخناجر! وتتطاير الرماح فوق نواصي الجياد الأصيلة البيض! وستعلو المآذن، وتعلو! لا تضاهيها في التيه سوى عبقرية الشعراء! يقهرون الأعداء.. ويربحون المعارك، بأوزان، ولا أفخم! فيعودون، وقد أنهكهم الكلام، إلى ليلى، تطوف بين مضاربهم، كالغنم الرائع.. تحوم فوق خيامهم، كآهة من ناي حنون! ويمضي الليل.. ويتورد الأفق، قبيل الغسق.. فتتورد وجنتاك، وتفركين عينيك في صحو ناعم بطيء..
هذا بلدي! ما أجمله، وما أتعسه!
هل أسمعك تقولين إن هذه ليست أحلامك؟ لا بأس! فهذا عالمها.. ومنها تأخذين الأحجار التي تبنين بها القصور، وتظنين أنك تبتكرتينه من أحلام!
هل جال في خاطرك يوماً أن تسأليني عن أبعاد عوالمي الداخلية؟ هل لاح لك يوماً أن هنالك في الشرق من لا يستسيغ القوافي، ولا الآهات الشرقية التي تعرفين؟! ولئن سألتني رأيي فيها، لأجبتك بانها سمٌ يتعاطاه شرقنا منذ أجيال، كقات اليمن!!!
ستندثر مدينتنا هذه عما قريب، ولن يبقى فيها غير صور خيالك عنها! مدينتنا التي عرفها آباؤنا.. ستبيد! وآثارها التي غذّت طفولتنا، ستمحى إلى غير رجعة! لكم أحببت بلدي! أحببته طفلاً، وعشقته حدثاً، حين كنت أظن أن له أبعاد نفسي وشمولها! ماذا يمكن لأولى سني المراهقة أن تعرف عن عالم المال والسياسة؟.. كنت، وأخاك، نجوب شوارع مدينتنا، نسير في دروبها القديمة، الضيقة، وبين جدران قلعتها، كأن ليس فيها سوانا، كأنها قصر لنا، ومن فيها من الناس، نفوس تطوف، أو تطير، مثلنا، لا بطونٌ، ستصرخ يوماً من الجوع، فيستقطب عويلها نحيب عشرات الألوف من الجائعين! فيهرعون، زرافات، ليقتلعوا الأخضر منها واليابس.. في إيقاع جاهل، تاريخي، محتوم!!
بلدي هذا الذي تركت البارحة مساءً، أودعه، فيك، وداعاً لا أسف فيه!
تعلمين أن ليس معي من المال سوى ما يكفي لإيصالي إلى باريس! وأن ليس ما ينتظرني هناك سوى قدر مجهول، قاتم الوجه، إذا تبسم لي، لم يمنحني أكثر من فرصة للعمل تقيم أودي، وتكفيني العوز! ورغم ذلك، أراني سعيداً.. بالابتعاد عن عالمٍ ضقت فيه بعاصمة ليس في مكتباتها سوى ما يسمح به رقيب جاهل! ولا قراءة فيها سوى بما يسمح به، آخرون، يخافون على وظائفهم! ضقت بالسرقة، والنفعية، والفوضى، في عالم يتّهم فيه، بالعمالة، كل من نادى بالنظافة! وبالرجعية، كل من تكلم في هدوء!! ضقت بدعاة الحرية، ينقلبون إلى سجانين، أو حراس لسجون أسيادهم! ويصيبني الغثيان، إذ أرى من كانوا ينادون بالمساواة الاجتماعية، يصبحون رؤساء لعصابات أشد من المافيا، حتى باتت ثروات أقلهم شأناً تعدّ بالملايين.} | |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:11 am | |
| | |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:11 am | |
| الفصل الثالث
(ص47-50)
{بحر المانش 1951
هدبـاء..
هدبـاء.. هدبـاء.. أردد اسمك الجميل، لهفاً.. وكأني معك، في عناق، بعد أعوام طويلة!
أتدرين أن اسمك هو أول كلمة عربية أنطق بها.. منذ طويت رسالتي الأخيرة إليك؟.. أليس طريفاً ألا أخاطبك سوى من البحر؟! رسالتي الأولى، كانت من البحر المتوسط.. وهذه، من بحر المانش! وشتّان، هدباء، ما بين هذا البحر، وذلك! هياج هذا، وهدوء ذاك!
ما أشدّ البرد!! أنظر عبر الكوّة إلى الأمواج المتكسرة.. فأحسّ ببرد داخلي، رغم ما أرتديه من صوف، تحت سترتي البحرية..
المركب محكم الإغلاق.. والردهة هنا دافئة.. لكن البحر في هياج مخيف! يكفي أن يحاول أحد المسافرين فتح كوة أو باب، ليستنشق هواء نقياً يغالب به دوار البحر، حتى يشقّ القاعة صفير العاصفة! فتأخذنا الرعشة، رهبة من الأمواج التي تعلو، فتقذفنا! تحطّ، فتضربنا! تتكسر، فتغطي المركب، بكامله أحياناً! نشهق، في كل مرة، كأن اليمّ يودّ لو يبتلعنا إلى الأبد!!
ليتك ترينني! أكاد لا أقوى على التماسك فوق مقعدي لشدة تأرجح السفينة! ولقد نال الدوار من معظم المسافرين.. نحن بالمناسبة، في طريقنا إلى " نيوهافن" على شاطئ انكلترا.. لقد انتهزت فرصة هدوء الركاب، لأكتب لك.. رغم العاصفة وتأرجح المركب!
أتتساءلين كيف أقوى على الكتابة في مثل هذه الظروف؟ ألا تعجبين كيف لم يصبني دوار البحر، أنا الآخر؟! لا تضحكي! لقد تعودته! لقد أصبحت بحاراً متمرساً! أقولها جاداً إنها اليوم مهنتي ! وأنا أمارس هذه المهنة منذ سبعة شهور!
أمور كثيرة، كثيرة، مرت منذ وصلت باريس!
أبتسم طويلاً، وأنا أستعرضها في مخيلتي.. هل أسوق إليك بضها الآن؟ لم لا! أمامي ساعتان قبل أن نصل الشاطئ.. وما أظن أحداً، من هؤلاء الركاب المساكين، سيقلق خلوتي معك قبل ذلك الحين..
ما أبعد العام الماضي !
بأي شيء أبدأ؟! أبالقطار السريع الذي توقف في باريس، في محطة بدت لي هائلة السعة، مرعبة؟! هل أحدثك عن الرعشة التي انتابتني، وأنا أطأ أرض الرصيف؟! أسير، حاملاً حقيبتي الوحيدة، أنظر، وأتلفت حولي، غير مصدقٍ، أردد لنفسي.. "أنا في باريس"! "أنا في باريس"! لا كأنه حلم تحقق، بل كأنني تركت الحقيقة والواقع لغيري من الناس.. كأنما نَمَت لعالم أحلامي جذور واقعية، غريبة!
أنت.. حين تقولين "باريس"، يتبادر إلى ذهنك تصور مجمل عن المدينة، وهو محصلة خيالك عنها.. كذلك هو حالي اليوم، وأنا على ظهر هذا المركب، فأنا، حين أفكر بها، بعد أن عرفتها، أرى في مخيلتي أماكن معينة منها.. أحياء بكاملها أو مناطق متفرقة، أو لربما صورة كاملة عنها! أما في ذلك اليوم، أول يوم وطأت فيه قدماي أرضها القاسية، فلقد كنت إنساناً وحيداً، يسير على أرصفة لم يألفها، سيان عنده، أن يتجه ذات اليمين، أو ذات اليسار! إنسان غريب.. لا يعرف وسط المدينة، من ضواحيها! لا يبحث عن أحد فيها! ينظر حوله، فلا يرى سوى نوافذ، وجدران، وواجهات محلات تجارية متشابهة.. عشراتها! مئاتها! بل ألوفها، لو تابع السير!!
كانت لباريس في ذهني، صورة، هي محصلة جميع ما كنت قد قرأته عن أخبارها في الأدب، مضافاً إلى ذلك، ما رأيته عنها على شاشات السينما! صور، وتخيلات، لا حصر لها! ومن هذه التخيلات، كانت باريس "بلزاك"، أقربها إلى نفسي.. أتمنى أن تكون معالمها قد قاومت فعل الحضارة، والزمان!
أين تلك الصورة، مما رأيته ذلك اليوم!؟ طارت من مخيلتي، في ثوان، جميع تصوراتي المسبقة! ورحت أستوعب، في بطءٍ عنيدٍ، ودون فهم، ما شرح لي، فيما بعد، عما بدله نابليون الثالث، من معالم المدينة، على يديّ "البارون هوسمان". فهذه الشوارع العريضة، الأنيقة، النظيفة، المتشابهة! هذه الصفوف اللامتناهية، من الأبنية المتراصة، المتشابهة، المتتابعة، بطبقاتها الخمس الراتبة! وقرميدها الرمادي، الداكن! أهذه هي باريس؟! ألهذا المصير الحديث، آلت قبلة أحلامي؟!
وحتى هذه! لم تكن الصورة الواقعية لها تماماً! فهي الصورة الشمولية للناظر إلى شوارعها برمتها! صورة الناظر إلى جميع أبنيتها، مرة واحدة بدءاً من أدوارها الأولى، وما فوق! والواقع، مخالف لذلك! فالسائر في شوارع باريس، لا يرى بمخيلته.. بل بعينيه! ينظر أمامه.. وليس إلى فوق! يندر أن يعلو بناظريه، فوق مستوى الإسفلت والجدران، ورؤوس البشر!
لم أر في ذلك اليوم سوى وجوهٍ تمرّ بي، دون أن تراني! ألوف المخلوقات، كأنها في سباق! تسير في اتجاهات متعاكسة! سيل لا ينقطع من المخلوقات، دائماً على عجلة من أمرها! سيل يدخل جوف الأرض، عبر نفق "المترو" يبتلعه، من جهة، ليلفظه بعد مئات الأمتار من جهة أخرى! سيل يدخل الأرض! سيل يخرج منها! وسيول تتماوج في اتجاهات فرعيه متعاكسة، فوق الأرصفة! كل هذا، على طرفي شارع، بدت تميد تحت خضم لا ينقطع من سيل آخر للسيارات!! مدّ، يتهدّر فوق الطرقات العريضة، يتوقف، كل بضع مئات من الأمتار، فيسمح لسيل البشر أن يخترقه، ثم يندفع في هديره المكبوت من جديد!!
سرت مع السيل حتى أدركني التعب..
لم أدر إلا والظلام قد حطّ، لتتلألأ مصابيح الشوارع، وتشع أنوار واجهات المحلات.. فجلست في أحد المقاهي المتناثرة على الأرصفة، أنظر طويلاً، ذات اليمين وذات اليسار.. أحتسي قهوة، مائعة المذاق، ذكرتني بأنني جائع، لم أذق طعاماً منذ الصباح.. وأن عليّ أن أتدبر أمر مبيتي، قبل حلول الليل!
تحسست نقودي، فوجدتها مكانها..
ترى أين الحي اللاتيني؟
هل كنت قريباً منه، أم بعيداً؟ خواطر عديدة توالت على ذهني، حتى قررت في النهاية أن أستقل أول عربة أجرة، إلى ذلك الحي، علّني أتدبّر أموري من هناك..
لم أكن أعلم عن الحي اللاتيني شيئاً سوى أنه مركز تجمع الطلاب، وأن جامعة "السوربون" تقع فيه، أو بقربه..
أوقفت عربة أجرة، ورحت فيها مع سيل السيارات، أقطع المسافات، نحو "السوربون"، أتابع تلفتي، ألتهم بناظري جميع ما أراه.. أعجب لما أرى، وأردد لنفسي دهشة، وأسفاً.. "أهذه هي باريس"؟}
(ص57-62)
{تتسابق الكلمات على شفتي.. فلا أدري أأحدثك عن ضربات قلبي، وأنا أقترب من "المعهد الموسيقي" لأول مرة؟! أم عن الرهبة، والسرور الجامحين اللذين اعترياني وأنا أسير في أروقة "معهد الفنون الجميلة"، وبين تماثيله!؟
لن أنسى، ما حييت.. ضربات قلبي تلك، وأنا أقترب من باب المعهد، لن أنسى كيف غصّت حنجرتي، تأثراً.. وأنا أحقق قَََسَمي فأرفع ذراعيّ، وألامس براحتيّ، كلتيهما، بابه الخشبي الضخم!
كنت في رفقة زميليّ.."غونثر، و"جون".. وكانا قد استغربا سبب توجهي نحو المعهد، مؤكدين، مصريّن على أنه مغلق في تلك الساعة المتأخرة من الليل!
وقفا ينظران إلي في صمت.. مشدوهين! وكنت قد مكثت برهة، لاصقاً بذلك الباب، ورأسي إلى الأرض، بين ذراعيّ! إلى أن أصاب كتفيّ خدر، فتركته، وقفلنا راجعين..
قال لي "غونثر" في هدوء..
- أظنك ستقصد باب "معهد الفنون الجميلة" الآن؟
تبسمت في صمت.. وما كان انفعالي قد فارقني بعد، فتابع.. يبتسم لي هو الآخر..
- يا لكم من عاطفيين.. يا معشر الروس!
* * *
أتعجبين هدباء، أن أكون قد حافظت على هويتي الجديدة، في باريس؟! لا، أنا لا أناقض نفسي! إنه أقرب ما وجدت من حلّ إلى ما أنشده اليوم من اللاهوية! وإن سألت، فسأزيدك عجباً.. فأنا اليوم أدعى "مكسيم"! وغداً.. من يدري؟ سأصبح.."إيفان" أو "أسفالد" أو "غونثر"! إنها بدعة، تروقني! ففي الغرب، "مكسيم" اسم عارٍ، على نحوٍ ما، من الصفات المسبقة..لا خلفية له، ولا تبعية! أب روسي، وأم فرنسية!! خليط خاص به، ولا عيوب، على المرء أن يجبر على الخجل منها، أينما ذهب!
* * *
كان قد فاتني المثول لامتحانات القبول، في كل من معهد "الفنون الجميلة"، و"المعهد الوطني للموسيقى"..فما إن أتاح لي عملي الجديد، فرصة مراجعة المسؤولين عن شؤون الطلاب الأجانب، في المعهدين، كليهما، حتى أدركت أنني في الواقع لم أخسر شيئاً، بسبب لك التأخير..فامتحانات القبول قاسية، تفوق ما كنت قد هيأت نفسي له من صعوبة! لذلك، لجأت إلى أستاذ مختص، في كل من المعهدين، ليمكنني مما فاتني من تحضير.. وأنا، إلى هذا اليوم، أي رغم عملي على هذا المركب في بحر"المانش"، أتابع الدراسة الخاصة معهما! آملاً، في شهر تشرين المقبل، ألا يكون أمامي من عائق يحول دون قبولي في المعهدين، كليهما!
* * *
ما أغلى تكاليف المعيشة، في باريس.. وما أصعب على من كان مثلي من الطلاب أن يكون، في الوقت ذاته، أباً لنفسه، يكسب الرزق، وأمّاً، تهتم لشؤونه اليومية وترعاه! ثم، إن الدراسة الخاصة للموسيقى، باهظة التكاليف، وللرسم أدوات، ومتطلبات، لا تنتهي! وأجري من المطبعة كان متواضعاً.. سرعان ما وجدت أنني مجبر، على البحث إما عن مورد إضافي، وإما على مسخ دراستي، والإقلال من عدد وجبات الطعام!
كان ذلك منذ سبعة شهور.. وكنت في أوج ضائقتي.. أشرح ﻠ "غونثر" ما أعانيه، وإذا هو يسألني..
- هل تحب البحر؟
كنا في طريقنا إلى اﻟ "الكوخ الكبير" للتمرين.. فظننت أنه لا يسمع ما كنت أشرح له عن وضعي، وإنما سألني عن البحر، فيما يختص الرسم منه، فأجبت..
- رسمت البحر مرتين.. لا أظن أنني سأختص يوماً في رسمه..
ضحك لجوابي..
- أسألك عن حياة البحر! أتحب أن تعمل في البحر؟ بحّاراً؟
تعجّبت..
- وكيف يمكنني ذلك؟! لولا دراستي.. من يدري؟ لعل تلك الحياة تروقني! لكن.. أين البحر من باريس؟ ومما نحن فيه؟
- بل إنه في مستطاعك.. ألست تبحث عن مورد إضافي؟ لم لا تعمل يومين، أو ثلاثة، في بحر "المانش"، أيام العطل الأسبوعية مثلاً.. ثم تعود إلى قراءتك، في المطبعة، ودراستك، بقية أيام الأسبوع؟
- ليت ذلك ممكن! وهل الأجر كبير؟
- إن أجر الساعة الواحدة في البحر يساوي أربعة أضعاف ما تتقاضاه من ساعة العمل في المطبعة! لئن وافقت.. فإن لي صديقاً يعمل على سفينة ركاب.. إني واثق أن في إمكانه أن يرشدك إلى كل ما تشاء!
* * *
هدبـاء...
قلت لك إن ذلك كان منذ سبعة شهور.. ولم تمض أيام، على ذلك الحديث، حتى كنت في مدينة "دييب"، في شمال فرنسا، أبحر عنها، مرتين في الأسبوع، أو ثلاثاً، إلى "نيو هافن".. بذلك، أعمل يومين أو ثلاثة، في الأسبوع، أنام في فرنسا، أو في انكلترا، حسب ما تسمح به الأنواء.. أستقل القطار، في السادسة صباحاً، من مطلع كل أسبوع.. أكمل نومي، في القطار، على وقع عجلات الحديد، لأكون في الثامنة والنصف، في باريس!!
أيّ دفع هذا الذي يسيرني، هدباء؟! أحس كأن محرّكاً قد أفلتت قيادته في نفسي! أعدو، وأعدو، كأني لا أعرف غير الركض واللهاث! أحب تعبي! وأطرب لشقائي! أين حريّتي التي جئت أنشدها في باريس؟! أين تمرّدي، بين قيودٍ وأصفاد، أراني كبّلت بها نفسي.. تعوّدتها، حتى باتت لكأنها ولدت معي!؟
هدبـاء..
أصبحت اليوم عبداً للدراسة.. عبداً لأصولها! لا يفارقني الكتاب، أينما كنت، ألتهم السطور، حيثما توقفت! أعيش نهماً غريباً، أحاول إشباعه، فلا يزداد إلا تأججاً وتسعراً! أتلذذ بأحاجي العلوم، والفلسفة، ولا ينشيني غير فك مبهماتها!!
تعلمين تفاعل الأدب، بالفلسفة.. آه حبي.. ليتني أستطيع شرح لقاء الفلسفة والأدب، بالفنون والموسيقى! إنها عوالم لم أحلم بها يوماً، تتكشف اليوم أمامي، برؤى مذهلة الوضوح! ثم هل جال في ذهنك يوماً، ماذا يمكن لعلم النفس أن يكشف إن هو خاض في أي من هذه الموضوعات؟! | |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:12 am | |
| | |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:12 am | |
| | |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:13 am | |
| | |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:14 am | |
| الفصل التاسع
"المأدبة اللاتينية"
(ص143-159)
{دخلت "بيبتا"، ترتدي ثوباً أسود هفهافاً، يلف كتفيها بوشاح عريض من الحرير.. نبيذي اللون.. موشح بخيوط الذهب..
لم أكن قد التقيتها، منذ اختفت مع "آني"، ولم أكن قد شاهدتها في مثل هذا الزي من قبل.. فبهتُ لما أصابها من تبدل..
لم تعد تشبه فتاة "الحيّ اللاتينيّ" التي كنّا نعرف، في شيء! فنجمة "التابو".. كانت لا تعرف من الألوان سوى الأسود، شعرها المتهدل على كتفيها، يغطي جبينها، دوماً، ويحيط وجهها بدائرة سوداء، لا ترى في وسطها سوى محجري عينيها، محاطين بجفنين مدبجين بالسواد!
شعر "بيبيتا"، في تلك الليلة، كان معقوصاً إلى الأعلى، يرفعه مشط إسباني، من العاج، تتوسطه وردة حمراء، قانية تحاكي في لونها، لون شفتيها الممتلئتين.. بينما، بياض جبينها المكشوف، يتوج سواد عينيها اللتين بدتا، وقد أعفتهما من الكحل، كماستين غريبتين، لا شبيه لهما! تنيرهما سعادة داخلية!
كانت "آني" كعادتها، ترتدي بنطالاً يشد وركيها، ويلف ساقيها، فيزيد من رشاقة جسمها الممشوق.. فما إن تبادل الجميع، قبلات الودّ، حتى اتجهت نحو "باتريس" وارتمت على المقعد إلى جانبه، مسندة رأسها إلى كتفه..
أعاد تشابههما، صحبتهما السابقة إلى الأذهان.. فلفها "باتريس" بذراعه، في حنان وألفة قديمين، وراح يداعب وجهها بيده الطليقة، فتعض "آني" على أصابعه، ضاحكة متسلية، فيبعدها، ويضرب خدّيها في دعابة، ورفق..
قمت أوزّع الشراب، فسألتُ آني" و"باتريس"، عما يفضلان منه.. وكانت ألفتهما قد استحوذت على انتباهي..
فقال "باتريس"، جذلاً..
- نفضل النبيذ الأحمر، يا صديقي! هذه ليلة الحقيقة ولا يصح فيها سوى شراب الآلهة!
لم تك "بيبيتا" قد استوت على مقعد.
وقفت في وسط الغرفة تنظر إلى حيث كان يجلس "باتريس"و"آني"، تحاول أن تخفي ما تحسه من تساؤل، وامتعاض! ثم اتجهت نحو "جينيت"، في خطى ثابتة، وجلست قربها، تكشف إزارها النبيذي عن صدرها العارم الأبيض.. تعلق على قول "باتريس" وهي تبدي اهتمامها ﺑ "جينيت"، وترفع خصلة شعر تهدلت على جبين صديقتها..
- .. حقيقة الآلهة؟ أم حقيقة البشر؟!
ضحكت "جينيت" عالياً.. وقالت..
- صحّحي يا عزيزتي! صحّحي! "حقائق" الآلهة، أم "حقائق" البشر! إن للأمور أكثر من وجه واحد.. أو حقيقة واحدة!
سخرت "آني"، مبتهجة، وسألت..
-.. أنتما لا تتكلمان إلا عن الآلهة أو البشر.. والشيطان؟ أليس من مكانٍ صغيرٍ دافئ له، في هذه السهرة العارمة؟
قلت، مغتبطاً لما رُفعت عنه ستارة تلك الليلة، من حوار..
- بل أماكن ! أماكن عدة! فلكل آلهة، شيطانها! أما آن الأوان لنصحح ما سها عن ذكره الأقدمون؟!
أجاب "مكسيم"
-.. "شارل غوستاف"! لقد أحسنت، يا عزيزي! فآلهة الإغريق.. كانت تحتوي شياطينها، في تصرفاتها ذاتها، لذلك لم يكن من حاجة للتفريق بين هاتين النزعتين، عند تلك الآلهة! الخير، والشر، كما نفهمهما اليوم.. فكرتان، شرقيتان.. جاءتا من الشرق البعيدن عن طريق الفرس..
أردف "باتريس قائلاً..
- ليت هذه المفاهيم بقيت هناك.. فسلمت منها أوربا! وهل أجمل، وأنبل من آلهة الإغريق، تعيش جميع نزعاتها! تحيا، وتتصرف، كأنها بشر؟! وشعوب البحر المتوسط، تحيا وتتصرف، كأنها آلهة؟! إن مفهوميّ الخير، والشر، في شكليهما المطلق، وباء، أصاب أوربا! إن فكرة الخير، المطلق، شدت صورة الآلهة نحوها، فأصبحت الآلهة، إلهاً واحداً، كله خير، ثمّ وجب أن يتجمّع الشر في حيّز واحد فتجمعت الشياطين، في شيطان واحد، كله شرّ.. وها نحن في أوربا، بما لنا من جذور إغريقية، تشعرنا أننا ممثلو الآلهة على الأرض، ها نحن ننوء تحت حمل هذا الانقسام السماوي، نعيش هذا الانقسام الإلهي، فنتمزّق بين ما فينا من الآلهة، من خير، وشرّ!!
ضحك "مكسيم"، وقال..
- وهل الوباء يفتك بغير من أصابه الوهن؟ إن جميع الحضارات سعت إلى السعادة والرقىّ.. فجسدت هذه المفاهيم في نظم مسلكية أخلاقية.. لست أعرف سوى أوربا، تعمقت في دراسة الشرّ حتى أوهمت سكانها أن الأرض ليست سوى موطن له وجعلت فيها، منفى للإنسان.. مملكة، يرتع فيها الشيطان، كما يشاء، تكاد ملائكة إله الخير لا تقوى على رفع صوتها في حضرته!!
سألته مستوضحاً رأيه..
- أنت تعني الدين، في أوربا، بالطبع.. ولكن جميع الديانات، على ما أعلم، تعالج الأمر بنفس المنظار.. فالخير، والشر، يتصارعان على هذه الأرض، حلبتهما، هي الإنسان! فالموسوية، والمسيحية، والإسلام، من أصل توحيدي واحد.."لا تقتل، لا تكذب، لا تزن" الخ.. أليس الخير، والشرّ، عندها واحداً؟ وكذلك البوذية، والتاوية.. فلماذا تستثني أوربا؟
هزّ "مكسيم" رأسه، مبتسماً..
- الأمر يا عزيزي من الاختلاف بنسبة ما للناظر من مقدرة على التعمق! فلو أنك جمعت اليوم أربعة مثقفين.. بوذياً، ومسيحياً، ويهودياً، ومسلماً، ولنقل، أربعتهم، على مستوى دراسة جامعية واحد.. لوجدت، أن ما يجمعهم من النظرة الواحدة إلى مفهوم الدين، وما يرتبط بالدين من مفاهيم الخير والشر أعظم مما يفرّقهم! لكن ما أعنيه، من اختلاف، هو فيما يتعلقّ بأصل الدين، وجذور الأسطورة! ترى هذه الاختلافات كامنة في رواسب لا تصل إليها العين المجردة.. ولا يحسن التمعن فيها، سوى المتعمّقُ في علم النفس، ومدارسه المختلفة! صحيح أن الأرض حلبة يتصارع عليها الخير، والشر، في نظر الديانات التوحيدية الثلاث.. لكن هذا الصراع لا يتخذ شكلاً ماساوياً مزمناً، إلا في أوربا!! فآدم، في الديانات الثلاث، واحد، والتفاحة واحدة، لكن معنى عقاب الإنسان الأول، هو من الفداحة، حسب المفهوم الأوربي، بحيث لا يمكن لعقل متفتحٍ، في القرن العشرين، أن يقبل شموله، أو تدرّجه المنطقي!
قالت "جينيت" متعجبة..
- صحيح! فأنا متديّنة في إحساسي، حتى الأعماق! فما إن أسأل نفسي.. ما معنى الخطيئة الأولى.. وأتساءل، لماذا يقال لي إنني ولدت على هذه الأرض وأنا في حالة خطيئة، حتى أشعر بأنني مظلومة، مهانة! أودّ لو أنتقم من أحد! كيف تلصق بي تهمة لا يد لي ، فيها؟!
علّقت "آني"، موافقة..
- وكيف يغضب الله من آدم، إذا أكل التفاحة، وهو الذي خلقه أصلاً من تراب.. فوضع فيه ما شاءت إرادته الإلهية، من قوة، وضعف؟! خلق له حواء، وخلق له جهله، والتفاحة! بل خلق له الشيطان، وما له من مقدرة ضعيفة، في الأصل، على مقاومة الإغراء والشرّ! حقاً! كيف يفاجأ الإله بما قام به آدم، أو الشيطان، وهو العالم، سلفاً بكل ما سيكون؟! كيف يعاقب الإنسان على فعلة، قدر له أن يقوم بها؟!
قلت على عجل..
- لقد أعطى الله، آدم، القدرة على الاختيار!
سخر "مكسيم" من قولي..
- هذا كلام يسهل قوله.. ولا يمكن فهمه! أليس الاختيار مشروطاً بالفهم والإدراك؟ فكيف يملك الإنسان مقدرة ما، دون أن يملك شروطها؟ هل يملك الإنسان شروط فهمه، وإدراكه؟ وفي حالة آدم.. هل كان لهذا، يد في تقرير نسبة ما خلقه له الله، من مقدرة على الفهم؟ أو ما خلق الله فيه، من سعة إدراك؟ وهل سعة الإدراك، هذه، واحدة عند الجميع؟!
ضحك "باتريس" وأضاف..
- أنتم تنسون الشيطان، دوماً، في أحاديثكم الرفيعة! أليس ينطبق ما تقولونه على الشيطان؟ فما ذنبه، إذا عصى الله، والله كان عالماً بمعصيته قبل خلقه! وبالرغم من ذلك، خلق فيه تلك المقدرة على العصيان!! فما ذنبه، إذا خلق على هذا القدر من "الشيطنة"؟!
قال هذا، وأكبّ على "آني" أصابعه، على رأسه، بشكل قرنين، يقبّلها، ويلعق عنقها، مازحاً، يقلد الشيطان!!
تابع "مكسيم"، على مهل..
- إنها أسطورة رمزية، لم تخلق سوى ذيول فلسفية، في الشرق! جعلت من الأرض محطة، يعيش عليها الإنسان، فترة مؤقتة، قبل الرجوع إلى ملكوت ربه! أما في أوربا، فالأمر مختلف تماماً! كيف يقبل العقل أن أكل التفاحة، ذنب، أوقع الإنسانية في "حالة خطيئة أبدية".. يقتضي نزول الإله، على الأرض، بصورة إنسان، فيصلب نفسه، ليكفر عنه؟ أليس في هذا تفاوت لا يعقل، بين درجة الخطيئة وفداحة العقاب؟ فالدين، في أوربا، يرى الأرض منفى للإنسان، ومقراً للرذيلة والفساد! ويرى في وجود الإنسان، على الأرض، أمراً خاطئاً منذ البداية!! عليه، وعلى ذريته، أن يكفر عنه، إلى الأبد! يخلق الله، إنساناً ضعيفاً، مُعرضاً للخطأ.. يعلم الله، سلفاً، أنه مخلوق ضعيف، سيخطئ، فيتركه، عامداً، في تلك الطريق! حتى إذا ما أخطأ الإنسان، عاقبه خالقه، على خطيئة، كان قد قضى عليه، هو، أن يقترفها! يرميه بلعنة الخطيئة الأولى، التي لا ذنب له فيها! ثم ينزل الخالق إلى الأرض، في صورة إنسان، فيصلب نفسه، ليكفر عن خطأ، كان هو في الأصل، في قد قدّر على الإنسان أن يرتكبه!! لعمري إنها خطيئة الإله! لا خطيئة الإنسان!! ولئن نزل، ليكفر، عن خطأ ما.. فلا بد أنه فعل ذلك، ليكفر عن خطئه هو!
ولو اقتصر الأمر على ذلك، لما تعدّى، كون هذه القصة، حلّة أخرى، لأسطورة بابلية قديمة، "أسطورة الإله "تموز"-وهذه كلمة تعني "الابن الحقيقي"، في اللغة السومرية، والملقّب ﺑ "الرب"- الذي قدّم قرباناً للبشر، ثم أحيَتْه أمه "عشتار"، وأعادته إلى السماء! أسطورة، لها ما يماثلها عند قدماء المصريين، في قصة الإله "إزيس"، و"أوسيريس"، أو الأسطورة الفينيقية، عن بعث "عشتارته" ﻠ "أدونيس"! كل هذه أساطير، عن ألهة، فيها ما يودّ الإنسان أن يجده من رموز! أما الدين هنا اليوم، فإنه لا يعطي للإنسان من سبب، لوجوده على هذه الأرض، إلا أنه خُلق ليكفّر عن خطاياه! فاللّذات محرّمة علينا! والمتعة الدنيوية، أية متعة، هي طريقنا إلى جهنم والعذاب! حتى الجنس! لا يحق لنا أن نتعاطاه، إلا في سبيل متابعة الخليقة، إذا ما تعاطاه أحدنا، وهدفه في ذلك اللذة الجسدية، اقترف خطيئة، فتوجّب عليه الاعتراف بها، والقيام بالكفارة عنها!
قالت "بيبيتا"، ساخرة..
- على هذا.. فليس على هذه الأرض من متديّن حقّ، واحد!
أجاب "مكسيم" على الفور..
- بل مئات الملايين منهم! والكل، في قرارته، يعرف أنه بعيد عن الدين، مخالف لتعاليم كنيسة، هي في الأصل، في حيازتها على الثراء الماديّ، مخالفة لتعاليم المسيح!
- ومن يدريك أن الموسويين، أو المحمديين، هم أقرب إلى دينهم منّأ؟!
- قد يستوون في الشعور بأنهم بعيدون عن تطبيق تعاليم دينهم، إذا ما تقاعسوا في تطبيق هذه التعاليم، لكن ذلك لا يبعث في نفوسهم ما نشعر به نحن، من قلق جذريّ! نمضي حياتنا في مصارعته! والسبب في ذلك بسيط.. فليس في الموسوية، أو المحمدية، من شروط المسلكية، ما يصعب على المؤمن تطبيقه.. وليس فيهما من الفرضيات الدينية، ما يناقض الشروط الحياتية اليومية.. الطبيعية..
نظرت "آني"، إلى "مكسيم"، في شيء من التحدّي، وقالت..
- "مكسيم".. أراك تخوض في تفاصيل، لا أظنك تعرفها، حق المعرفة! أتعلم أني يهودية؟ وأؤكد لكن أن في التلمود، من التعاليم، والشروط، أضعاف ما في التعاليم الكنسية! وقلائل منا، من في مقدورهم تطبيق هذه التعاليم، بالحرف، ثم الشعور بالرضى عما يفعلون!
- إنما هي شروط كمية، يا "آني"، لا كيفية! لئن قصر الإنسان في تطبيقها ظلّ في قرارته، على قناعة، أن ما ينقصه هو مزيد من الجهد، كي يصل إلى الهدف المنشود! ليس ما يمنع المحمديّ، من أن يحيا حياة جنسية متكاملة، وهو في كنف تعاليم دينه! أين هذا، من تعاليم الكنيسة؟ التي تفرض على الشاب المتدينّ، أن ينسى أن له عضواً ذكراً!! ألا يمسه! ألا ينظر إليه، كي لا يفكر به، فتغزوه الأفكار الجنسية، الشطانية!! سلي "باتريس"، إن كنت لا تصدقين ما أقول!!
ضحكت الفتيات مليّاً، لما سمعن! نظرت "آني"، إلى "باتريس"، في دهشة.. تسأله..
-.. هل حقاً ما يقوله "مكسيم"؟ ومن فرض عليك هذه التعاليم؟! وأين؟
- في الدير! لقد قضيت سنتين، من طفولتي، أتهيأ لحياة دينية! سرعان ما تركتها، هارباً!! كنت أؤمن حقاً أنني في تناولي للقربان، آكل من جسد المسيح، كل صباح.. وأشرب من دمه! ولا أفهم سبب ذلك!! كان القصد، بالطبع، من هذه الطقوس، هو أن نشعر أننا في التحام عضوي، دائم، مع القوى الإلهية.. ولعل هذا ما يحسه الكاهن، أو الراهب، أو أي رجل بالغ متديّن، يعرف مسبقاً ما المقصود ﺑ "الإله" و "القوى الإلهية"! أما أنا.. حينما كنت طفلاً في العاشرة من عمري! فتلك، كانت كلمات جوفاء، بالنسبة إليّ! في حين أن عملية الأكل من جسد المسيح، كانت حقيقة ملموسة، كنت أقوم بها، كل صباح، وأنا أرتعد من خوفٍ مبهمٍ داخليّ، فأشرب من دمه، لأبتلع لحمه، الحلو المذاق، فأشعر، أن ما أقوم به، أقرب إلى السحر، والجريمة، منه إلى الصلاة والعبادة!!
قلت مفسّراً | |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:16 am | |
| لا بدّ أنها طقوس مستوحاة من طرق قديمة في العبادة.. فيها ما يفتن الإنسان، ويهزّ جذوراً بدائية، في حيّز اللاوعي، عنده!
- لعل هذا كان صحيحاً، منذ ألفي سنة! لئن كانت الطقوس، نافعة من ألفي عام، فما حاجة الإنسان إليها اليوم؟! أين الحضارة في مثل هذه الطقوس؟! وما المعنى من ربط مثل هذه الطقوس البدائية بإحساسات الإنسان السامية؟! لا يا عزيزي! عليك بقراءة رسائل "جيد" إلى "كلوديل".. فلو أنك أمعنت البحث، والتفكير.. لوجدت أن الديانة، في أوربا اليوم، لم تبق قضية إيمان بالله، إيمان بقوة عظمى خلقت هذا الكون.. بل أصبحت، في معظمها، قضية تأدية طقوس!!
قلت على عجل، وقد أمضّني ما أوحى إلي كلامه من شعور..
- هذه طقوس، ليس إلا! أنت تعرف بالطبع أن الرسالة المسيحية، براء في الأصل من مثل هذه الطقوس!
هزّ "باتريس" رأسه في حزن بعيد، وقال..
- ألم يُقل لنا، إن المسيح قال "أن لم تأكلوا جسد ابن البشر، وتشربوا من دمه، فلا حياة لكم في أنفسكم"! وحتى لو اعتبرنا أنه ما أراد، من كلامه، سوى الدلالة الرمزية، وأن ما أتى بعده، من تطبيقٍ لكلامه، لم يكن سوى طقوسٍ لا علاقة للمسيح بها.. فلو حذفنا هذه الطقوس.. لو قبلنا جدلاً بأن جميع الطقوس مستحدثة على رسالة المسيح.. فماذا يبقى من المسيحية ؟ ماذا يبقى من الرسالة العظيمة؟
- تبقى الوصايا! ورسالة المحبة الإنسانية!
- الوصايا؟ وهل هذه في عرفك أمور دينية سماوية؟ "لا تقتل" "لا تسرق" "لا تكذب".. هذه أمور أخلاقية! قوانين أرضية بحتة.. أصبحت اليوم جزءاً من كتب القانون! يعاقب من يخالفها، كالسائق، إذا خالف إشارة السير!
-.. تبقى رسالة المحبة!! وهل أعظم وأسمى منها؟!
قال "باتريس".. يكاد يكلّم نفسه..
- ألهذا نزل الإله إلى الأرض؟ أليقول للناس أحبوا بعضكم بعضاً؟ أتظن أن الإنسانية كانت بانتظار الأديان كي تعرف هذا الشعور؟ أتظن حقاً أنها لم تعرف الحب، أو المحبة، قبل ذلك التاريخ؟! وأن الناس تحابوا بعد نزول هذه الرسالة أكثر من ذي قبل؟! كم من مئات ألوف الأرواح، زهقت،باسم رسالة المحبة هذه؟! كم سببت من حروب؟ كم من المعابد، والهياكل بنيت، تعددت أزياء كهنتها.. وتباينت طقوسها، وتبدلت، لتفرض تفاسيرها المختلفة لجميع رسالات المحبة!! كم من الأحقاد، والكراهية، غلت وفارت، في نفوس دعاتها وأتباعها! دعاة المحبة!! ألف وتسعمائة وثلاث وخمسون سنة من الحقد، والكراهية، والقتل، والتدمير، اجتاحت عالمنا الغربي، باسم رسالة المحبة والغفران!! بتّ إذا سمعتُ من يقول "أحبوا بعضكم بعضا"، أسمع صدى التاريخ يردّد "اقتلوا بعضكم بعضا"!!
- والمحمدية؟! هل انتشرت بالإقناع؟ أم بالفتوحات، وحدّ السيف؟!
- صحيح! لكن "الفتح"، و"الجهاد" في مفهوم المحمدية ليسا على نقيض مع التعاليم المسلكية لذاك الدين! وهي القائلة ﺑ "العين بالعين" و"السن، بالسن"!!
وتدخّل "مكسيم" قائلاً..
- هذا ما كنت أعنيه بالضبط! فالمحمدية لم تخترع مُثلاً، وطرقاً في السلوك، تنافي طبيعة الإنسان! تشعره أنه على تناقض مع ذاته! تشعره أنه ملوث بإحساساته الطبيعية، وشهواته! موصوم بها!!
صاحت "جينيت" نزقة..
- كفى أرجوكم، أنا لست على مثلكم من الطلاقة الفكرية أو التحرر من الرواسب! كلما جاء ذكر الدين، أحسست بغمامة تطبق على نفسي عند سماعي مثل هذا النقاش! ألا يكفي للإنسان أن يعتقد بالله، وتنتهي المشكلة عند هذا الحد؟! هنالك خليقة، وهنالك إنسان لم يخلقها.. إذن هنالك خالق! ما حاجتي إلى الدين، إلى أيّ دين، ما دام إدراكي بخالقي، أمراً مباشراً؟ ما حاجتي إلى الوساطة، ما دامت، علاقتي به، مباشرة؟!
تدخّلت "بيبتا"، تشد أزر صديقتها..
- فما حاجة الإنسان إلى أكثر من هذا؟ هل يزيد من قدر الإله، أو ينقصه، أن آكل من جسد المسيح، كل صباح، أو أن أعاف الأكل؟! وهل يزيد جلال الملكوت الإلهي، لو سجدت له، خمس مرات في اليوم؟! ما حاجة الإنسان إلى الوسطاء، والأوصياء، يقفون بينه وبين خالقه، يفسرون له، كلٌ، بحسب علمه أو جهله!! فينقصون من صورة الإله، بمقدار نقص إدراكهم لسرّه ولملكوته الفسيح!
ضحكت "آني"، وقالت..
- وكيف يعيش رجال الدين، إذا تخلوا عن وساطتهم بين الإنسان والإله؟ إنهم اليوم، ملايين في العالم، نصّبوا أنفسهم وسطاء بين الإنسان والإله! مؤسساتهم، تضاهي في ثرائها، وتنظيمها، وتكتلها، كثيراً من المؤسسات العسكرية.. وألبستهم، تضاهي في غرابتها، ألبسة الممثلين!!
قال "مكسيم"..
- صحيح! وإن هذه المؤسسات، لفي تقلّص مستمر.. في العالم اليوم، حوالي ثلاثة مليارات من البشر.. ثلثاها، غير مكترث للدين، يعيش في ظلّ معتقدات وأنظمة سياية تنفي فلسفتها أصلاً، وجود الإله! لكن المشكلة أبعد من هذا.. فالدين، في تاريخ الإنسانية، سابق لوجود الكهنة من رجاله.. والحاجة المبهمة إلى تأدية الطقوس، هي التي أوجدت صورة هذه الطقوس، على اختلاف أنواعها! وطوّرتها، حتى أصبحت على ما لها من تعقيد، في ديانات اليوم! الدين، كما نفهمه اليوم، ليس سوى جواب، متطوّر، لحاجة الإنسان البدائي، لفهم المبهم من قوانين الطبيعة، والمخيف من ظواهرها! إنه جزء من جهله! جواب، يرجع تاريخه السحيق، إلى الشعوذات، والسحر، عند الإنسان البدائي.. والطوطمية، عند إنسان ما قبل التاريخ! كان ساحر القبيلة يعرف كيف يهدئ مخاوف الآخرين.. فيفسر كل أسرار الطبيعة، بألغاز، أعقد من تلك الأسرار! يدمج تفسيراته، بطقوس، يوهم الجهلة أنه يفهمها، وها هو ذا الكاهن، اليوم، يقوم بالتفسيرات نفسها ويحيطها بالألغاز نفسها! كان للساحر دوماً، زيّ غريب، يضفي عليه هالة يتفرّد بها عن بقية أفراد القبيلة.. وها هم الكهنة اليوم، وجميع رجال الدين، لايمكن أن يتخلوا عن تلك الهالة.. لا يمكن إلا أن يتفردوا، هم الآخرون، بألبسة تخالف ما يرتديه بقية أفراد المجتمع.. كأن اللباس المختلف، إشارة إلى تفردهم بمعرفة الغيب، وأسراره!
أضاف "باتريس"، قائلاً..
- وهذا يفسر ما كنا نتعلمه، من طقوس الدين والصلاة.. فكما أن التقرب من القوى المجهولة، المحركة لعوامل الطبيعة، كان يستلزم التضحية بما هو غال.. والقيام بحركات، وطقوس معقدة، غريبة، كذلك الصلوات في دور العبادة اليوم.. تنوب الصدقة فيها، عن القرابين.. وتنوب ذبائح الخراف، خارج المعابد، عن الذبائح داخلها.. ويقوم جميع المصلين، على اختلاف أديانهم، بحركات غريبة، وبترديد أقوال، يظن أنها تقرب الإنسان من اللإله، المحرك الأول، لما لا نزال نجهله من قوى الطبيعة.. فنسميها "قوى ما فوق الطبيعة"..
عادت "جينيت" إلى القول، بنزق..
- أما وقد غصتم، في الطبيعة، وما فوق الطبيعة، وما تحتها! فأنا ما زلت طبيعية جداً! وأودّ مزيداً من النبيذ! أليس من فارس ينجدني؟!
قمت أملأ كأسها، فإذا ﺑ "بيبتا" تنبري واقفة.. فتأخذ الزجاجة من يدي، وتقول لها..
- جميع فارسات " الأمزون" في خدمتك! فما حاجتك إلى الفرسان؟ وملأت كأساً، تناولته "جينيت" قائلة..
- هاتي! عزيزتي.. هاتي! هذه أول كلمة، حقيقية، تقال في سهرة الحقائق هذه!
تعجبتُ لقولها، فأردفََتْ على الفور..
-.. وإلا، فما هذا اللف والدوران؟! تودّون نفي الآله! أو لعن الدين.. فافعلوا ذلك صراحة! أو ناقشوا في ذلك، رجال الدين!
قالت "آني" موافقة..
- بالضبط، فأنا لا أهاجم أحداً! أو أنفي وجوده! على العكس.. إني بحاجة إلى وجود الله، أطمئن، إذ أعلم أن هناك حياة ما، بعد الموت!! ألا يرهبكم أن تشعروا أن لا شيء بعد الموت؟ سوى العدم؟!
قال "مكسيم"..
- ليس أصحّ مما تقولين! ألا ترين ما يستتر من دوافع وراء كلامك؟ والحاجة أم الاختراع! إنها حاجتك لقوة تدرأ عنك المجهول، إن خوفك.. هو الذي يدفعك للتشبث بوجود لا يقبل به عقلك! ولئن كان هذا هو حال إنسانة مثقفة مثلك، من القرن العشرين.. فكم تتصورين كان عظم خوف الإنسان البدائي، وحاجته النفسية-العضوية، الماسة إلى خلق هذه القوى في ذهنه؟! يحتمي وراءها، ويختبئ مما يخيفه من مجهول!
قلت متعجباً..
- إذن.. ليس بعد الموت سوى العدم! على حدّ زعمك!
- "العدم"؟ هذه كلمة كبيرة! لا معنى لها..
سألته متعجباً..
- "كلمة"؟ إنها تصور لحالة انتهاء الوجود.. أتسمّي هذا كلمة؟
- "حالة انتفاء الوجود"، تعريف، يناقض نفسه! يعود ليؤكد وجوداً آخر، من نوع آخر! يؤكد وجود "حالة" واقعية، ينتفي فيها الوجود! حيّز سلبيّ، أو سمّه ما شئت.. يمكن أن ينتفي فيه الزمان، والمكان، فكيف نشترط مثل هذه الحالة لوجود العدم؟ ثم نقبل تصور العدم، المطلق؟
- لم أفهم ما تقول!
- إن "وجود العدم" يا عزيزي، يعني "وجود"، "اللاموجود"! فكيف يمكن ذلك؟ إن مئات صفحات الشرح ﻠﻠ "العدم" عند "سارتر" لم تنجح إلا في وصف العدم، على أنه " شعور" بانتفاء الوجود! شعور! لا "واقع"، موجود! أما أن نتكلم عن "العدم"، على أنه "واقع".. فليس لذلك من معنى، سوى أنه وجودٌ، من شكل آخر! كيف نسمي "وجوداً" ما نتحدث عنه، ﺑ "العدم"؟!
- إذن، فالوجود، ومفهوم العدم، صنوان..
قال "باتريس" ضاحكاً..
- بالضبط.. فبدل أن تقول، إذا "زال الوجود"، "بقي العدم".. نقول، إذا زال الوجود.. زال العدم..
-.. لأن العدم "لا يمكن أن يبقى".. وإلا أصبح وجوداً في حدّ ذاته!!
أضاف "مكسيم"، مبتسماً..
- لذلك، فبما أن العدم، مستحيل.. فالوجود، إذن، أزلي! لأنه لا يمكن تصور حالة "خلقة"! ﻔ "الخلق" يتضمن معنى وجود حالة "عدم"، سابقة لوجوده، أي "وجود العدم"، و"العدم" كلمة، لامعنى لها! إن القول ﺑ "وجود العدم" إنما هو تعريف يناقض نفسه! ﻔ "الخلق"، بكل بساطة، أمر مستحيل!
صاحت "جينيت" نزقة..
- كيف خُلق الكون إذن؟ من الذي أوجده؟ ألم يخلقه أحد؟!
أجبتها مستنداً إلى حوار "مكسيم"..
- لو أنك فهمت قول "مكسيم" لأدركت أن الكون أزلي! الكون لم يخلق.. لأنه موجود منذ الأزل.. وسيبقى إلى الأبد!
قالت هازئة..
- أليست هذه صفات الإله، التي استكترتموها عليه؟
أجابها "باتريس"،
- إنها صفات استنبطها الإنسان لما إبدعه من آلهة، عندما وقع في إشكال "من خلق الله"! وكان قد قََبِِلَ، خطأً، بديهة أن "ليس هنالك من سبب، دون مسبّب، إذن، فإن للكون مسبّباً، أي خالقاً، هو الله، أو قوة ما، نسميها الله! فلما تساءل، بعد ذلك عن المسبب الأول لهذه القوة ذاتها، طال به البحث، حتى خلص إلى نتيجة، غريبة.. استثناء، يناقض نفسه! قال، "إن الخالق، هو نفسه، سبب وجود ذاته".. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالإنسان لم يطرح مشكلة وجود الله، بشكل منطقي، إلا منذ أن تساءل عن المسبب الأول للوجود، والحياة، والكون! وهذا، منطق، يغاير تماماً ما كنا نحن بصدده..
- قالت "جينيت" ساخرة..
- بما أنني، في هذا الجمع الرفيع، لا أمثّل سوى الإنسان البسيط، بل الإنسان البدائي، في عرفكم! فلا ضير أن أعترف أنني لم أفهم وجهة الاختلاف!
أجاب "مكسيم" متأنياً..
- أنا لم أطرح مشكلة الألوهية، أو الإلحاد! بل لم آت على ذكر الإله إطلاقاً.. إن ما كنا نعالجه، هو مشكلة "الوجود".. و"العدم"، فإذا استحال "وجود" العدم.. ثبتت "أزلية" الوجود! هل هذا، مفهوم؟ وفي هذه الحال، أي إذا كان الكون موجوداً، منذ الأزل.. تصبح عملية الخلق، مستحيلة!! معنى، وفعلاً..
ضحكت "بيبتا".. وقالت..
- فإذا لم يكن هنالك "خَلْق" فكيف يكون هنالك، خالق؟!
عقبت "جينيت"، ساخرة..
- هكذا! وبكل بساطة! أما أنا.. أيها الأعزاء! فسواء كان مبعث الأمر عندي، عن حاجة، أو غير ذلك.. فأنا أؤمن بأن هنالك شيئاً ما وراء قوى هذا الكون! شيئاً أكبر من عقولكم المليئة بالادّعاء!!
قطعت "بيبيتا" قولها..
- لا.. لا! مسألة "الإيمان"، هذه.. أمر آخر!! أنت، "تؤمنين" بما لا تفهمينه، وغيرك، يؤمن ﺑ "زيد"، وآخر يؤمن ﺑ "عمرو"! تطرحين قيماً، تودين إثباتها، لمجرد أنك تؤمنين بها! هذه بساطة في التفكير، قد تصل ببعض الناس إلى الإيمان بالجنّ، أو بالعفاريت! بل بمخلوقات من محض تصوراتهم.. خطوة أخرى، وتؤمنين بالهلوسة يا عزيزتي!!
وافقت "آني" قائلة.. | |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:16 am | |
| - أليس معنى كلمة "إيمان" هو، التصديق، أو الاعتقاد، بأمر ما، عن غير طريق المحاكمة، والعقل؟
سألتها متعجباً..
- وهل تقبلين بسلوك مثل هذه الطريق؟
- أنا؟ مهما قصرت محاكمتي، وضاقت سعة إدراكي.. فلا يمكن لي أن أطمئن إلى رأي، ما لم أهضمه عن طريق العقل! ما لي أرى "مكسيم" يتبسّم؟ هل فيما قلتُه من خطأ؟
أجاب "مكسيم" على الفور..
- وبما أن هذه ليلة الحقائق! فيجب ألا نتوقف عند أي منها، مهما صعب تقبل نتائخه! إن كلامك عن العقل، يا عزيزتي، هو الصواب، عينه! لكن الإنسان لا يملك سوى عقله، أداة لفهم الطبيعة.. والعقل، في الوقت نفسه، جزء من هذه الطبيعة.. يتغذّى بوسائل الإحساس التي لدى الإنسان.. وهي أدوات ناقصة! إذن، فالعقل ناقص! وكل محاكمة تنتج عنه، إنما هي ، بالضرورة، ناقصة! هذه هي الطامة الكبرى! فالإدراك، محدود بالجسد، كالنبات المحدود بوعائه!
صاحت "بيبيتا"
يا إلهي! ماهذه المتاهات؟ لا نملك سوى أداة، ناقصة، لفهم الحقائق! فنصل إلى نتيجة منطقية محتومة.. وهي، أن جميع محاكماتنا ناقصة! إذن، كل ما نكتشفه ناقص! فإذا كان الأمر كذلك.. فكيف أصدق مثل هذا الاستنتاج الأخير؟! إذا كان كل ما يقال مشكوكاً في صدقه.. فكيف أصدق هذا الحكم، نفسه؟ كيف في وسعي ألا أشك في حكمي هذا الأخير! كيف لا أشك في شكي؟!
ضحك "مكسيم" من ضياعها وقال..
- بل تشكّين، في شكك.. وكفى!
- أعرف أنها عقدة فلسفية قديمة.. كيف أتخلص منها؟!
- وماذا تعطيني مقابل ذلك؟ ماذا تعطيني إذا خلّصتك منها؟
لمعت عينا "بيبيتا"، وقالت..
- في هذه اللحظة؟ أي شيء تطلبه!
- تكفّين عن مغازلة "جينيت"، وتعيدينها إليّ!
بان ومض خيبة على عينيها، لما سمعت.. صمتت برهة، ثم قالت.. كأنها تتذكر أمراً فاتها..
- وإن قَبِلْتُ، فهل يكفّ "باتريس "، عن مغازلة "آني"؟! وهل يعيدها إليّ؟!
توقف "باتريس" عن مداعبة "آني".. وهمّ بالكلام، لكن "آني" بادرت إلى إجابة "بيبتا"..
- أنا، التي أغازله.. يا عزيزتي، وليس هو! أنا التي أُبادر أيّاً كان، بالغزل! ولا أقبل أن يبادرني به أحد! ورغم ذلك.. فإنني..
تدخلت "جينيت"، هازئة..
- تظنين أن "باتريس" على غزل معك؟ تتوهمين! ألا ترين كيف يتبادل، و"مكسيم"، الأفكار.. كأنهما يتبادلان القبل؟}
* * *
(ص176-179)
{علا الغضب بغتة وجه "بيبتا".. وتابعت، وقد احتقن وجهها..
-.. ثم.. قل لي! أرجوك! لماذا لا يهتم أحد بما أفعل، لو قبّلت الحائط؟! وما علاقة الجنس، بالأخلاق؟ نعم! أود أن أطرحه سؤالاً صريحاً دون مواربة.. ما علاقة الجنس، بالأخلاق؟ هذه الحاسّة، التي نلقبها "الجنس".. هذا الإحساس "النفسي-الفيزيولوجي".. ما علاقة حاجة إروائه، بالأخلاق؟! هنالك من يحرّم أكل الخنزير، ونحن نأكله.. هنالك من يأكل الثعابين! وهذا يثير اشمئزازنا! وفي "نيويورك"، يأكلون النمل، ﺑ "الشوكولا"، وهؤلاء، أنفسهم، تشمئز نفوسهم، من الصينيين، الذين يستسيغون أكل أدمغة السعادين، وهي لا تزال حية!! بل يأكلون الكلاب!! إن لكل مجتمع عرفه الخاص، فيما يتعلق بالأطعمة.. جميعها، تتفق على رفض بعض أنواع الطعام، أو تقبُل غيرها! لكني لم أسمع، يوماً، أن مجتمعاً زجر بعض أفراده، أو وضعهم في السجون، لأنهم أكلوا طعاماً، لا يتقبل العرف أكله! فما ذنب الجنس؟! أي ضرر أُلحق، بغيري، إذا مارست حاجتي الجنسية بالطريقة التي أشتهي؟! شريطة ألا أجبر أحدا على ما يشتهيه، طبعاً! وما علاقة الأخلاق، بما أتبادله من حب، مع إنسانة واعية مثلي، دون الإساءة إلى أنظار، أو مصلحة أحد؟!
- ألا تجدين أن ذلك مخالف لقوانين الطبيعة؟
- ها! ها! ها!! وهل أنا مخلوقة من المريخ؟!ًومن الذي توّجك، ملكاً على هذه الطبيعة، كي تسن قوانينها!! ثم تدافع عنها؟! نحن نعيش "قوانين حضارات" هي على بعد مئات ألوف السنين مما نسميه"قوانين الطبيعة"!! لقد وُلدنا عراة، والحيولن عار، ونحن نرتدي جلود الحيوانات، نقتلها في سبيل ذلك، لندرأ برد الطبيعة، فهل نخالف قوانين الطبيعة في ذلك؟! الحيوان يموت، متى جاء أجله، ونح نبعد الموت، بالعقاقير والجراحة! فهل نخالف القوانين في ذلك؟! الطبيعة تجذبنا، نحو مركز الأرض.. ونحن نخلق ما يشلّ جاذبية الطبيعة، وننطلق بالصواريخ نحو أجرام السماء! جميع ما نقوم به، من علم واختراعات، إن هو إلا وسائل، للتغلب على قوانين الطبيعة! وحين يأتي ذكر الجنس.. تشهر في وجهي قوانين الطبيعة!! أيّة قوانين، هذه التي تتحدث عنها؟
- أنا اتحدث عن طبيعة الجنس في الطبيعة! أليست غاية الجنس، هي متابعة الخليقة؟!
- بالطبع! كذلك الأكل.. غايته المحافظة على الحياة! والتنفس.. غايته تزويد الجسم بالأكسجين! لكن ألا يهدف الإنسان من أكله، كلما أكل، إلى هدف غير الحفاظ على حياته؟ إن حاجة الإنسان إلى الغذاء، أمر.. وطلبه لنوع خاص من الطعام، امر آخر!! أمن أجل الغذاء، والحياة، يتفنن الإنسان في أكل الحلوى، وفي تعداد أنواع الطعام؟! هل يستعمل الإنسان، العطر، ليزيد من مقدار الأكسجين في رئتيه، أم للتمتع برائحته؟ يا إلهي! أنا لا أفهم كيف يحتمي الإنسان وراء هذا الحائط الهائل من النفاق، كلما جاء ذكر العرف والأخلاق والعادات المتبعة!
- نفاق؟ أي نفاق هذا؟ عجيب! ها أنا ذا أصبحت، فجأة، في قفص الاتّهام؟
- طبعاً! وإلا فقل بربك.. لو أننا قدّرنا حصراً، عدد المرات التي يمارس فيها الإنسان هذه الحاسة في حياته، ولنقل أنها تتراوح في حياة الفرد بين ثلاثة آلاف واربعة آلاف من المرات، فكم مرة من هذه المرات يقوم فيها بهذه العملية، وهدفه إنجاب الأطفال وإعادة الخلق؟! كم مرة؟ ها؟ ثلاث مرات او اربع فقط، خلال سني عمره كلها؟! فكيف يكون الهدف الوحيد للجنس، هو إعادة الخلق؟ وما ع\معنى الجنس، بعد أن يكون الإنسان قد أنجب كفايته من الأولاد؟ ها؟ وما هدف الجنس، عند المرأة، بعد أن يدركها، ما تسمونه، بسن اليأس؟ ولماذا لا تتعطل عندها اللذة الجنسية، بعد أن تكون قد أدت وظيفتها، في إعادة الخلق؟!
قلت، حائراً فيما أجيب..
- حسناً.. وما تفسير ذلك في نظرك؟
- الأمر بسيط.. لكنه يحتاج إلى نظرة لا تفترض الجواب عن نفسها.. قبل طرح السؤال!
- حسناً.. وما هي؟
- إن أكثر الحاجات ترسخاً في بناء الإنسان النفسي، هي حاجة الجنس! وهي الحاجة الوحيدة التي تفرض وجود إنسانين.. فالإنسان، ما كثر وتوالد، إلا لأن عملية الخلق قُرنت عنده بهذه الحاسة الملحاح! هذا معناه.. أن الإنسان لا يسعى وراء الجنس لأن هدفه التوالد.. بل إنه يتوالد، بعملية لاحقة للذته الجنسية! وهذه ليست حال الإنسان فقط، بل حال جميع المخلوقات التي ليس الإنسان سوى واحد منها ! والتي تعود جميعها في الأصل، إلى "آميب"، حقير، في مستوى المخلوقات، كانت عملية التكاثر، عنده تجري عن طريق الانقسام الذاتي!
- كل هذا صحيح! لكن هنالك واقعاً لا مفرّ منه.. وهو أن الجنس، والتكاثر، عمليتان متلازمتان عند الإنسان..
- طبعاً.. طبعاً! أو يجحد ذلك إلا المجنون؟! لكنهما ثنائي، غريب، في تفاوت نسب حاجة واحدهما إلى الآخر!! ﻔ "التكاثر" عملية تكاد لا تتم اليوم إلا عن طريق الجنس، ولعلها، في المستقبل، ستتم في المختبرات، لانتقاء الفصائل الأفضل.. فحاجة عملية "التكاثر" إلى عملية "الجنس"، اليوم، لا تناقش.. أما حاجة الجنس.. فما حاجته إلى عملية التكاثر؟ ما حاجة "اللذة الجنسية" إلى "عملية التكاثر"؟ أنا لا أقلل إطلاقاً من أهمية هدف التكاثر! كل ما أودّ منك ان تفهمه، هو أن الإنسان، في أكثريته الساحقة، في نظري، لا يسعى وراء الجنس إلا رغبة في تحقيق هذه اللذة المباشرة، التي لا بديل له عنها!! لذة يلجأ إلى يده، لتحقيقها، حين لا يجد الشريك المناسب لممارستها معه، فإن أية مقولة، أو فرضية، عن "وظيفةٍ أخلاقيةٍ للجنس"، تحاول أن تبعده عن غايته الواعية، وهي اللذة الجسدية، هي فرية سخيقة! هذا الزعم شبيه بدعوى من يحاول أن يجد وظائف لجميع الإحساسات، والمخلوقات، كأن يقول، مثلاً، خُلق الكلب للدفاع عن الإنسان.. والحصان، كي يمطتيه الفرسان، ثم يحار كيف يفسّر وظيفة الجراثيم! أو يقول كما كان الناس يقولون في العصور الوسطى، لقد خُلقت الشمس كي تنير الأرض، وتدور حولها، كي تدفئ البشر! ثم يحار كيف يفهم، أن الأرض هي التي تدور حول الشمس.. وأن الشمس، في الصحراء، تحرق الزرع والبشر، ولا تدفئهم!}
* * *
(ص186-195)
{تدخل "مكسيم"، مهدئاً..
- مهلك.. مهلك.. يا عزيزتي! فلا أحد يسعى وراء الفوضى.. ولا عاقل ينشد الخراب.. الأمر، بما فيه، هو أن الحضارة الغربية، قائمة على "العلم".. قائمة على العلوم ومنجزاتها.. واشتدت الصلة بينهما، حتى بات من العسير، الفصل، في أذهان الناس، بين مفهوم الحضارة، ومفهوم العلم! أنا بالطبع لا أخفف من أهمية العلوم وفائدتها لرفاهية البشر.. لكني أعجز عن فهم علاقة العلم ومنجزاته، بمفهوم الحضارة، بالمعنى الأوربي الإغريقي الذي نفهمه!! فللعلم ومنجزاته، شقان.. الأول، هو الرياضيات والاكتشافات العلمية.. والثاني، هو المخترعات الآلية.. فإذا قبلنا أن الاختراعات الآلية تزيد من رفاهية الإنسان العلمية، دون أن توسّع، بما يذكر، قدرة الإنسان على الإدراك.. بقيت، الرياضيات، وسيلة الإنسان الوحيدة لتوسيع مداركه، وبقيت اكتشافات العلم، باباً فسيحاً، يدخل عبره الإنسان، طريقاً، يدله على ما خفي عنه من قوانين الطبيعة.. يرشده، إلى فهم ظروفه.. إلى دحض الشعوذات، والتفسيرات الخرافية، التي حمّله إياها تراث ماضيه الجاهل! طريق، لا نزال في أوله، ألا إنه درب قويم، سنعبر قريباً فضاء الكون الخارجي، بواسطته.. وسيقودنا، دون شك، إلى فك الكثير، الكثير، من الأحاجي التي ما تزال أمامنا.. والسؤال المطروح، هنا، هو التالي.. ما نهاية هذا الطريق؟ ما غاية هذه الحضارة؟
-.. وما معنى هذا السؤال؟ أليس بالعلم، نزداد علماً؟! ألا يكفي هذا جواباً عن سؤالنا المطروح؟
-.. بل وجب عليك القول.. "بالعلم، ينقص جهلنا".. ولسنا نزداد علماً!!
- أليس للعبارتين التاليتين دلالة واحدة؟ "نصف كأسي ممتلئ".. أو "نصف كأسي فارغ"؟!
-.. وهل ابتدأ الإنسان طريقه من "حالة علم" ليزيدها علماً، ونوراً؟! أم فتح عينيه، على ظلام الطبيعة الدامس، فاستنار بالعلم، ليحاول كشف أسرارها.. ويحدد موطئ قدمه، ثم طريق مستقبله فيها؟!
-...
- إذن.. إن الإنسان، بالعلم، ينقص من جهله.. وبمزيد من العلم.. يسدّ المزيد من ثغرات جهله..
قال "باتريس"..
-.. إنه كمن ورث الديون عن أبيه.. يتعب، ويشقى، سعياً وراء سدادها.. فإذا ما وصل إلى غايته، يوماً.. فماذا سيكون لذلك من معنى؟! إلام سيكون قد وصل؟! إلى حالة الصفر؟! سيصبح إنساناً لا ديون عليه! لا أكثر ولا أقل!! وفي هذا راحة لا شك فيها.. إنما أين تلك الحالة من حالة الغنى.. أين الغنى من حالة انتفاء الديون؟!
تدخل "مكسيم"..
– صحيح.. وأضيف إلى ذلك أن الأمر، لو اقتصر على ما ذكرتَ، لأصبح الغنى في حدّ ذاته، غاية جديدة، يسعى إليها الإنسان، بعد أن وصل إلى غايته الأولى.. وهي القضاء على فقره! إني أفهم أن الحضارة يجب أن تقوم على أسس المعرفة.. ولو كانت المعرفة تقاس بالمقادير والأرقام كما يقاس المال، لتابع الإنسان جمعها، حتى بعد سداد ديونه.. ولمضى يجمع المعرفة، كما يجمع المال، إلى الأبد! ولما كانت حضارة الغرب، لا تعرف سوى العلم من هدف تسعى إليه.. فالمعرفة عندها، اليوم، مرادفة، للكشف العلمي، وتفسير ما نجهله من أسرار الطبيعة.. وليس في الدنيا أسرار تهمّ الغرب، غير الأسرار العلمية!! ومعنى ذلك، أحد أمرين.. إما أننا في هذه الطبيعة الأبدية، لن ننتهي أبداً من الكشف عن هذه الأسرار.. أي إننا سنبقى إلى الأبد، على الرغم من محاولتنا الأبدية عاجزين عن سداد الديون!! وإما أن العلم سيصل بنا، يوماً إلى اكتشاف آخر هذه الأسرار، فتقف الإنسانية، عندئذٍ، مكتوفة اليدين، في حالة عقم!! تنظر إلى كونٍ، بلغ فيه العلم غايته، ووصلت فيه المعرفة إلى نهاية المطاف.. فإذا تناهى العلم إلى غايته، تداعت أسس الحضارة الغربية، وتداعت معاني المعرفة الإنسانية!
قالت "بيبتا".. حائرة، سادرة..
-.. ولماذا لا تكون تلك نقطة بداية جديدة.. للبحث عن معرفة اخرى؟!
تبسّم "مكسيم" منها، وقال..
- كأنك لست ابنة الغرب، فيما تقولين! إن العقل الغربي، يا عزيزتي، لا يقبل تعدد أشكال المعرفة!! ليس في الغرب من "معرفات".. وإلا فماذا تعني كلمة "معرفة"؟! إنها عكس الجهل.. "كل الجهل".. فإذا سدّت الحضارة الغربية، جميع ثغرات الجهل، التي تعيها، فماذا يمكن أن يبقى عليها لكي"تعرفه"؟! إن الجهل في الغرب معناه جهل "العلم".. والمعرفة معناها معرفة قوانين العلوم..
وجم "باتريس"، ثم قال..
- نظن اليوم أننا، بالعلم، سنصل إلى آخر طريق المعرفة.. في حين أننا، سنصل فيه إلى طريق مسدودة، لا نعرف فيها كيف نبحث عن طرق أخرى!! سنصل إلى لحظة لن نرى فيها سوى "مدىً"، يمتد أمامنا، لا هدف لنا للحركة فيه، ولا زاد في جعبتنا مما جمعنا على مرّ العصور، نتأمله ونتمتع به أو نتزود منه، ونحن في رحلة الإنسانية التي لا نهاية لها..
أطبق الصمت علينا، برهة طويلة، تواقتت فيها، مصادفة، "آريا"، "دعوني أموت" صدح فيها صوت "بنيامينو جيلي"! فأحسست كأنه نداء من الماضي.. يشير كالنذير، إلى ما سيأتي به المستقبل..
قالت "بيبتا"، مبتئسة.. | |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:17 am | |
| | |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:22 am | |
| | |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:23 am | |
| | |
|
| |
anneliesse Tsuchikage/نائب CHEF AKATSUKI
عدد الرسائل : 580 العمر : 29 الموقع : www.chobitsgirls.alafdal.net العمل/الترفيه : تلميذة في الثاني اعدادي المزاج : جيد البلدة : رتبة : kage chakara : Ryou : 31000 تاريخ التسجيل : 10/09/2008
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 12:23 am | |
| | |
|
| |
DARK SASUKE ninja AKATSUKI
عدد الرسائل : 555 العمر : 31 الموقع : http://vb.acmilanclub.com العمل/الترفيه : طالب المزاج : YOU DEAD البلدة : رتبة : طالب اكادمية chakara : Ryou : 1800 تاريخ التسجيل : 24/10/2008
بيانات النينجا الشخصية التقنيات: 10
| موضوع: رد: مسـافر بـلا حقـائب الجمعة أكتوبر 31, 2008 11:50 am | |
| | |
|
| |
| مسـافر بـلا حقـائب | |
|